كتب أسامة الأزهري عن لحظة نادرة في زمن المجازر، حين يُصدر شيخ الأزهر بيانًا جريئًا يصف ما يحدث في غزة بـ"الإبادة الجماعية الوحشية"، قبل أن يتراجع عنه بعد ساعات، بضغوط من الدولة المصرية، وفقًا لما تُشير إليه تقارير.
نشر هذا المقال في موقع ميدل إيست آي، ويبدأ بملاحظة أن ما تشهده غزة منذ نحو عامين من مجازر مباشرة وغير مباشرة، يُبثّ لحظةً بلحظة أمام أعين العالم، دون أي تدخل فعلي لوقفه. تُذكّر وكالة الأونروا العالم بأن مساعداتها الغذائية تنتظر منذ شهور في الجانب المصري من معبر رفح، دون أن تتحرك شاحنة واحدة.
يتهم الكاتب مصر، صاحبة أقدم مؤسسة دينية في العالم الإسلامي، بالمشاركة الفاعلة في خنق غزة، عبر إغلاق الحدود الجنوبية بإحكام، استجابة لإرادة إسرائيل. ويُضيف أن رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يصل إلى السلطة في انقلاب عام 2013 بدعم أمريكي إسرائيلي، يُجسّد هذا التواطؤ بوضوح.
ورغم ذلك، يُشير الكاتب إلى مساحة رمزية محدودة يحتفظ بها شيخ الأزهر أحمد الطيب، الذي يُعبّر أحيانًا عن قلقه تجاه ما يحدث في غزة، رغم غياب أي صلاحيات سياسية. وبهذا الدور الرمزي، يُمكن أن يُمثّل الطيب صوتًا أخلاقيًا لا لمصر فقط، بل للأمة الإسلامية كلها.
لكن تلك المساحة تنهار فجأة هذا الأسبوع. مساء الثلاثاء، يُنشر بيان شديد اللهجة عن مكتب شيخ الأزهر، يُدين إسرائيل، والدول المتواطئة، وحتى الدولة المصرية، بسبب مشاركتها في الحصار ومنع المساعدات. يُناشد البيان شعوب العالم أن تضغط لفتح معبر رفح وكل المنافذ لإدخال الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية.
لكن خلال دقائق، يختفي البيان من المنصات الرسمية. يُصاب المتابعون بالدهشة، ويتدفق الغضب على وسائل التواصل. تظهر لحظة شجاعة نادرة من مؤسسة تُعتبر رمزا دينيا عريقا، ثم تتلاشى دون تفسير. بعد ساعات، يصدر المكتب الإعلامي للأزهر بيانًا جديدًا، يُبرّر الحذف بأنه قرار "مسؤول أمام الله"، مدعيًا الحرص على عدم عرقلة جهود التهدئة المصرية.
تُفيد تقارير أن الضغوط جاءت مباشرة من الدولة. يُذكّر الكاتب أن السيسي حاول مرارًا تحجيم الطيب، لكنه يفشل في عزله نظرًا لمكانته الدينية. يُوضّح أن المجال الروحي الذي يتحرّك فيه شيخ الأزهر يُضايق النظام، لكنه يبقى خارج سيطرته الكاملة.
وفي قضية مثل غزة، حيث تتداخل السياسة والدين والأخلاق، يتعيّن على العلماء أن يتجاوزوا حسابات الدولة ويُدافعوا عن الحق، خاصة حين يتعرّض المسلمون للإبادة. ويُشدّد الكاتب أن موقف الأزهر هذا الأسبوع يكشف شرخًا حقيقيًا في جسد الأمة: عندما تُخنق حتى المؤسسات الأخلاقية القليلة المتبقية.
في مقابل تراجع الطيب، يُبرز المقال موقفًا آخر أكثر صلابة: الشيخ الموريتاني محمد الحسن الددو، الذي ينشر في اليوم ذاته فيديو يدعو فيه العالم لوقف المجازر. يُكرّر الددو إدانته للأنظمة المتواطئة، ويُسمي ما يحدث "الحلّ النهائي الصهيوني". منذ بداية الحرب، يُحمّل الزعماء المسلمين مسؤولية كل نقطة دم في غزة بسبب تخليهم عن أهلها.
يُذكّر الددو بدور الرئيس المصري الراحل محمد مرسي في وقف عدوان 2012، ويُشير إلى أن أي زعيم مسلم اليوم يقدر على فعل الشيء نفسه لو امتلك الإرادة. وفي خطابه أوائل 2024، يُهاجم كل الزعماء العرب الذين يُغرقون الخطاب بالإدانة بينما يُفعل الاحتلال ما يشاء.
ينقل الكاتب تعليقات ساخرة من وسائل التواصل، مثل تعليق أحدهم على خطاب رئيس وزراء ماليزيا: "أصبحنا خارج نطاق الخطابات الآن. خمسون دولة مسلمة، 22 دولة عربية، لا أحد يجرؤ على إرسال قوة إنسانية. كل هذه القوة العسكرية ولا أحد يملك الشجاعة لفعل الصواب. الفلسطينيون يدفعون 1000 دولار مقابل كيس دقيق، ويُذبحون وهم ينتظرون المساعدة".
يُخاطب الددو قادة الأمة، ويُذكّرهم بأنهم سيُحاسَبون. ويُحمل شيخ الأزهر مسؤولية خاصة: إذا لم يستطع أن يتكلم، فمن الذي سيتكلم؟ الصمت الآن ليس خيارًا.
يختم الكاتب برسالة قاسية: لا جدوى من مزيد من الكلمات. الزمن زمن أفعال. وعلى القيادات الدينية أن تقف للحق مهما كانت الكلفة. تراجع الطيب عن موقفه يُجسّد مدى عمق الجريمة، لا على يد العدو فقط، بل عبر تواطؤ الذات الإسلامية مع الجريمة.
ما تحتاجه الأمة الآن هو شجاعة حقيقية – لا تردد، لا حسابات، لا تبريرات. فقط كلمة حق في وجه الظلم.